+ واضح أن الصوم لم يكن رمزاً إنما هو وصية قائمة في العهد القديم كما هي قائمة في العهد الجديد والبروتستانت لا ينكرونه بصفة مطلقة إنما يلغونه تقريبا من الناحية العملية.
+ نقط الخلاف بيننا وبين البروتستانت في موضوع الصوم.

١- يقول البروتستانت إن الصوم ينبغي أن يكون في الخفاء بين الإنسان والله عملاً بوصية الرب في العظة علي الجبل
(مت ٦: ۱٧-۱۸).
٢- ليست للبروتستانت أصوام ثابته يصومها جميع المؤمنين في مواعيد محددة لها وفي مناسبات خاصة بها إنما الصوم عندهم في غالبيته عمل فردي يصوم الفرد منهم متي شاء وكيف شاء ولا سلطان للكنيسة عليه في هذا ولا تدخل لها في صومه.
٣- يعتمدون علي فهم خاطئ للآية التي تقول:
“فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ الَّتِي هِيَ ظِلُّ الأُمُورِ الْعَتِيدَةِ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ.” (كو ۲: ۱٦ -۱٧).
٤– لا يوافقون في الصوم علي الطعام النباتي والإمتناع عن الأطعمة الحيوانية ويتهموننا بأننا في ذلك ينطبق علينا علي الأقل الجزء الأخير من الآية التي تقول:
“وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا اللهُ لِتُتَنَاوَلَ بِالشُّكْرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَارِفِي الْحَقِّ.” (۱تي ٤: ۱-۳).

٥- سلطة الكنيسة في تنظيم الأصوام.

الإعتراض الأول الصوم في الخفاء:
الصوم في الخفاء بالعبادة الفردية وليس بالعبادة الجماعية لأنه يوجد هذان النوعان من العبادة:

أ- في الصلاة مثلاً: توجد الصلاة الفردية التي تصليها في مخدعك ولأبيك الذي يري في الخفاء هذا لا يمنع وجود الصلاة الجماعية التي تصليها معاً كل جماعة المؤمنين بروح واحدة وصوت واحد وأمثلتها كثيرة في العهد الجديد منها صلاة المؤمنين بعد إطلاق الرسولين بطرس ويوحنا من السجن فلما سمعوا رفعوا بنفس واحدة صوتاً إلي الله وقالوا:
“فَلَمَّا سَمِعُوا رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتًا إِلَى اللهِ وَقَالُوا أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَنْتَ هُوَ الإِلهُ الصَّانِعُ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا.” (أع ٤: ۲٤).
طبعاً مثل هذه الصلاة لا تنطبق عليها وصية الرب الخاصة بالصلاة في الخفاء (مت ٦:٦).

ب- كذلك في الصدقة يوجد عطاء في الخفاء كعمل فردي “وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ.”  (مت ٦: ۳) ولكن هذا لا يمنع العطاء العام الذي يجمع من الكل كما جمع داود النبي من أجل بناء الهيكل وذكر ما قدمه هو بالفصيل وما قدمه رؤساء الآباء ورؤساء الأسباط ورؤساء الألوف والمئات ورؤساء أشغال الملك (أي ۲۹: ۳-۹) ومثل هذا العطاء ما كان الناس يضعونه في الخزانة كالتي وضعت فلسين في الصندوق (لو ۲۱: ۱-۲).

ج- كذلك في الصوم يوجد الصوم الفردي في الخفاء وهذا لا يمنع الصوم العام لكي يشترك كل المؤمنين معاً في صومهم فهل الصوم الجماعي تعليم كتابي أم لا؟

الإعتراض الثاني الصوم الجماعي:
+ لا يوجد نص واحد في العهد الجديد يمنع الصوم الجماعي.
+ هناك أمثلة كثيرة في الكتاب عن الصوم الجماعي ومنها:
أ- صوم الشعب أيام استير حين صام الشعب كله معاً في وقت واحد من أجل غرض واحد وبصلاة وطلبة واحدة إلي الله وقبل الرب صومهم واستجاب لهم (اس ٤).
ب- صوم أهل نينوي الكل صاموا معاً وليس في الخفاء وقبل الرب صومهم فغفر لهم خطاياهم (يون ۳).
ج- صوم الشعب أيام عزرا ونحميا حيث يقول نحميا:
“وَفِي الْيَوْمِ الرَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ هذَا الشَّهْرِ اجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالصَّوْمِ وَعَلَيْهِمْ مُسُوحٌ وَتُرَابٌ.” (نح ۹: ۱)
ويقول عزرا:
“وَنَادَيْتُ هُنَاكَ بِصَوْمٍ عَلَى نَهْرِ أَهْوَا لِكَيْ نَتَذَلَّلَ أَمَامَ إِلهِنَا لِنَطْلُبَ مِنْهُ طَرِيقًا مُسْتَقِيمَةً لَنَا وَلأَطْفَالِنَا وَلِكُلِّ مَالِنَا.” (عز ۸: ۲۱).

د- الصوم أيام يوئيل الذي ورد عنه الاتي:
“وَلكِنِ الآنَ يَقُولُ الرَّبُّ ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ … اِضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي صِهْيَوْنَ. قَدِّسُوا صَوْمًا. نَادُوا بِاعْتِكَافٍ.” (يؤ ۲: ۱۲, ۱٥).
ه- وفي العهد الجديد صوم الرسل عندما سئل السيد المسيح لماذا لا يصوم تلاميذه؟
“حِينَئِذٍ أَتَى إِلَيْهِ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا قَائِلِينَ لِمَاذَا نَصُومُ نَحْنُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ كَثِيرًا وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَلاَ يَصُومُونَ؟ فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ.” (مت ۹: ۱٤-۱٥).
وقد صاموا فعلاً معاً وليس في الخفاء وقبل الله صومهم.
ومن أمثلة صوم الآباء الرسل قول الكتاب:
“وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا.” (أع ۱۳: ۲-۳).
والقديس بولس الرسول صام صوماً كثيراً وكل أهل السفينة  (أع ۲٧: ۲۱).

+ إذن الصوم الجماعي مقبول وهو تعليم كتابي ويدل علي وحدانية الروح في العبادة وفي التقرب إلي الله وبخاصة إذا كان غرض الصوم أمراً يهم الجماعة كلها أو إذا كانت تشترك في الصوم كما في الصلاة بروح واحد.
+ ليس في الصوم الجماعي رياء لأنه ليس أحد مميزاً علي غيره فيه أما درجة الصوم واعماقة بالنسبة إلي كل فرد فهذه تكون في الخفاء.

الإعتراض الثالث علي مواعيد الصوم: 
+ إن الصوم في مواعيد محددة هو أيضاً تعليم كتابي كما حدد الرب في سفر زكريا النبي صوم الشهر الرابع وصوم الشهر الخامس وصوم السابع وصوم العاشر (زك ۸: ۱۹).
+ لعل الحكمة في تحديد مواعيد الصوم هو تنظيم العبادة الجماعية.
+ في المسيحية أخذت مناسبات الصوم طبعاً مسيحياً لكل منه حكمته وتأثيره وهدفه الروحي.
+ لا يحكم عليكم أحد.
+ لم يقل الرسول لا يحكم عليكم في صوم إنما قال: لا يحكم أحد عليكم في أكل وشرب وكان المقصود بذلك المحرمات في الأطعمة بالنسبة إلي اليهود كأصناف الطعام التي كانوا ينجسونها.
+ هذا يذكرنا بالرؤيا التي رآها القديس بطرس الرسول في قصة هداية كرنيليوس لما رأي ملاءة عظيمة وعليها كل أنواع الأطعمة وسمع صوتاً يقول له أذبح وكل فقال بطرس: لا يارب لأني لم آكل قط شيئاً دنساً أو نجساً فصار إليه الصوت ما طهره الله لا تدنسه أنت (أع ۱۰: ۱۱-۱٥).
+ عن هذه الأطعمة المعتبرة نجسة ودنسة قال بولس الرسول لا يحكم عليكم أحد في أكل وشرب وذلك لأنه في مبدأ الإيمان بالمسيحية كان أول من دخل المسيحية هم اليهود فأرادوا تهويد المسيحية أي أن تدخل في المسيحية كل العادات اليهودية مثل النجاسات والتطهير وكذلك ما يخص اليهودية من حفظ السبت والإحتفال بالهلال وأوائل الشهور والأعياد اليهودية كما هي مثل الفصح والفطير والأبواق والمظال ويوم الكفارة فأراد بولس مقاومة تهويد المسيحية ولذلك قال:
“فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ الَّتِي هِيَ ظِلُّ الأُمُورِ الْعَتِيدَةِ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ.” (كو ۲: ۱٦-۱٧).
+ إذن لم تكن مناسبة حديث عن الصوم إنما عن العادات اليهودية التي يريدون إدخالها إلي المسيحية.

الإعتراض الرابع الطعام النباتي: 
١- نحب أن نقول أولاً أن الصوم في كنيستنا ليس هو مجرد طعام نباتي إنما هو إنقطاع عن الطعام فترة معينة يعقبها أكل نباتي (خال من الدسم الحيواني).
٢- الطعام النباتي كان الطعام الذي قدمه الرب لآدم وحواء في الفردوس (تك ۱: ۲۹) وبعد الخطية أيضاً (تك ۳: ۱۸) وكانت الحيوانات كلها تأكل طعاماً نباتياً هو العشب (تك ۱: ۳۰).
٣- لم يسمح الكتاب بأكل اللحم إلا بعد فلك نوح (تك ۹: ۳) وكان العالم قد هبط مستواه جداً للدرجة التي الجأت الرب إلي الطوفان.

٤- لما قاد الرب شعبه في برية سيناء قدم لهم طعاماً نباتياً هو المن (عد ۱۱: ٧-۸) ولم يسمح بأكل اللحم (السلوي) إلا بعد تذمرهم وبكائهم وهبوط مستواهم ومع عطية اللحم ضربهم ضربه شديدة فمات منهم كثيرون (عد ۱۱: ۳۳) وسمي ذلك المكان قبروت هتأوه (أي قبور الشهوة) لأنهم هناك اشتهوا أكل اللحم.
٥- الطعام النباتي هو الطعام الذي أكله دانيال النبي والثلاثة فتيه وبارك الرب طعامهم وصارت صحتهم أفضل من كل غلمان الملك (دا ۱: ۱۲-۱٥).
+ لعل الحكمة في استخدام الطعام النباتي هو أمران:
– استخدام الأطعمة الخفيفة البعيدة عن الشهوة والتي لا تثير الجسد.
– أن الطعام النباتي كان النظام الأصلي الذي وضعه الله للإنسان.

+ أعتراض مانعين عن أطعمة.
+ النص الكتابي الذي إعتمد عليه البروتستانت لا يتحدث عن نظام في الكنيسة إنما يقول:
“وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا اللهُ لِتُتَنَاوَلَ بِالشُّكْرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَارِفِي الْحَقِّ.” (۱تي ٤ : ۱-۳).
+ لعل المقصود بهذا- المانعين والمونتانيين الذين حرموا الزواج وحرموا اللحم وحرموا الخمر وقد حرمتهم الكنيسة وشجبت كل ما نشروه من بدع.
+ الكنيسة لا تحرم اللحوم وما ينتمي إليها إنما تمتنع عنها في الصوم نسكاً وليس لأنها نجسة بدليل أن الصائمين يأكلون هذه الأطعمة حينما يفطرون.
+ إن دانيال أكل القطاني فقط وإمتنع عن باقي الأطعمة ولم يقع تحت حكم هذه الآيات وكذلك يوحنا المعمدان في كل ما إمتنع عنه من أطعمة وكذلك النساك في كل زمان ومكان.
+ إن النسك ولوقت محدد شئ وتحريم الأطعمة شئ آخر.

الإعتراض الخامس الخاص بتنظيم الصوم وسلطة الكنيسة: 
+ الكنيسة نظمت الصوم ووضعت له أسسه الروحية ومواعيده الثابته المبنية علي قواعد روحية ليس الآن مجالها وهكذا احتفظت بالصوم وبقي كعمل روحي لا يستغني عنه أحد.
+ والكنيسة من حقها أن تنظم بل من واجبها أن تنظم من أجل صالح جماعة المؤمنين لكي يعبدوا الله جميعا بروح واحدة وهي تعتمد في ذلك علي قول الرب لقادتها:
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ (مت ۱۸: ۱۸).
+ وهكذا يستند التنظيم الكنسي علي نص كتابي.
+ أما الأخوة البروتستانت فمن أجل حرية الفرد أضاعوا فائدة الجماعة كلها واختفي الصوم تقريباً عندهم وهو واسطة روحية لا يناقش أحد في مدي نفعها.
+ والنظام عموماً نافع للفرد ولا يعتبر مانعاً لحريته بل هو منظم لأستخدامها.